وهم الديمقراطية و مداخل الحرية في المغرب
المنهاج النبوي؛ تربية وتنظيما وزحفا...

نظام الخصال العشر لتغيير الإنسان


1. مقدمة

يشكل كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" حلقة هامة في سلسلة إصدارات الإمام عبد السلام ياسين، رحمه الله، كما يجسد مرحلة محورية في مسيرة عرض مشروع العدل والإحسان وفي مسيرة بناء جماعة العدل والإحسان.
فإذا اعتبرنا كل ما ألفه الرجل، مكتوبا، نثرا وشعرا، ومسموعا ومرئيا، إنما هو مجهود متواصل لغرض عرض "المنهاج النبوي"، لتغيير الإنسان والمجتمع والنظام العالمي على قواعد الحرية والعدل والكرامة، ولغرض تفصيل قضايا هذا المنهاج على نسقية محكومة بمنهاج علمي وفق مراحل بنائية، أدركنا أن مؤلَّف "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" يشكل الحلقة الوسطى بين مؤلَّفين يؤرخان لحركة مشروع العدل والإحسان؛ مؤلف "رسالة الإسلام أو الطوفان" ومؤلف "الإحسان" بجزئية الأول والثاني، حيث يمكن اعتبار باقي المؤلفات مزيد تفصيل للمنهاج النبوي.
وبهذا الاعتبار يمكن النظر إلى هذا المؤلف من زاوية سياقين؛ خاص وعام، ومن زاوية بنائه الداخلي وارتباطه الخارجي بباقي المؤلفات.
وقبل هذا النظر لا بد من لمسة حول عنوان الكتاب.

2. "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا": العنوان والمشروع

يوحي العنوان بداية بأن المؤلَّف سيعرض المنهاج النبوي من حيث هو مشروع مجتمعي متكامل يغطي مستويات التربية والتنظيم والزحف، ويدقق في العلاقة بين هذه المستويات؛ إذ الزحف، باعتباره حركة جهاد متكامل وشامل يغطي حركة الفرد وحركة الجماعة وحركة الأمة التاريخية الإنسانية، إنما هو نتيجة لبناء الجماعة بمعناها النبوي التي تتأسس عملية بنائها وحركتها على التربية الإيمانية الإحسانية التي يتلقاها رجالها ونساؤها.

3. السياق الخاص لكتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا"

من المعلوم أنه قبل صدور مؤلف "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" سبق عرضه عبر أعداد مجلة"الجماعة" ، وبذلك كان هذا العرض الإطار التصوري والمرجعي لحركة "أسرة الجماعة" التي سيصبح اسمها جماعة العدل والإحسان منذ سنة 1987[1].
وهي مرحلة طبيعية بعد عدم استجابة الملك الراحل، الحسن الثاني، لمقترح "رسالة الإسلام أو الطوفان"حيث دعته بوضوح إلى سلوك المنهاج النبوي للخروج بالبلاد إلى بر الأمان والعمل على بعث الأمة من جديد لتقوم برسالتها التاريخية.
ثم هي مرحلة طبيعية بعد عدم استجابة أهم قيادات العمل الإسلامي والدعوي إلى وحدة الصف الإسلامي على منهاج واضح للعمل[2]، حيث استخفت بعض القيادات بفكرة المنهاج وأهميتها في سير الدعوة وتنظيمها، مما جعل الإمام أمام خيار وحيد هو التقدم بمبادرة عملية تجلت في عرض المنهاج النبوي من خلال منبر إعلامي (مجلة الجماعة) أسسه هو نفسه مع تأسيس الجمعية التي ستصبح جماعة العدل والإحسان، إذ اقتضى هذا التأسيس إعادة نشر المنهاج النبوي في مؤلف جامع يحمل عنوان "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" .
وهكذا يكون عرض المنهاج النبوي إطارا لمرحلة حاسمة في تاريخ جماعة العدل والإحسان؛ بل في تاريخ الحركة الإسلامية في المغرب، حيث سيكون الإطار المرجعي والعملي لأكبر تنظيم إسلامي في المغرب اليوم، وتشكل تصوراته مدرسة مستقلة ونموذجية في العمل الإسلامي، هي مدرسة المنهاج النبوي[3].

4. السياق العام لعرض "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا"

لم يكن الرجل صاحب مبادرة صغيرة الحجم تتعلق بتأسيس تنظيم إسلامي المرجعية يطمح أن يكون رقما من الأرقام الصعبة أو غير الصعبة، ويدافع فقط عن موقف فكري أو سياسي جزئي، بل كان واعيا بوظيفة التجديد الشاملة التي يجب أن تتصدى لها الحركة الإسلامية وتنجزها وفق مراحل، بناء على مشروع تجديدي متكامل.
لذلك كان عرض المنهاج النبوي من خلال مؤلف جامع يؤشر على الشروع العملي في بناء أداة هذا التجديد العلمية والعملية وترسيخ أدواتها الأساسية للامتداد في المستقبل، وهو ما يعني أن "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" وإن اعتنى بالإشراف المباشر على بناء مرحلة هامة من مراحل العمل الإسلامي في المغرب؛ فإنه كان مناسبة لعرض المشروع التجديدي بين دفتي كتاب له أهدافه المباشرة في بناء الفهم والعلم والعمل من خلال تقعيد قواعد هذا التجديد وإصدار مؤلفات عديدة وضخمة، تباعا، لمزيد شرح وبيان قضاياه في كل المجالات[4].
لقد حرص الإمام على بيان هذا المشروع من خلال حركة متئدة وصابرة ومصابرة ومبشرة؛ سواء باعتماد اللقاء المباشر أو القول المسموع أو المرئي أو المكتوب، وقبل ذلك ومعه بالموقف الشاهد بين الناس وعلى الناس، إذ "المسلمون بحاجة اليوم لاكتشاف المنهاج النبوي كي يسلكوا طريق الإيمان والجهاد إلى الغاية الإحسانية التي تعني مصيرهم الفردي عند الله في دار الآخرة، وإلى الغاية الاستخلافية التي ندبوا إليها ووعدوا بها متى سلكوا على المنهاج واستكملوا الشروط" [5].

5. البنية الداخلية لكتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا"

قبل أن نقف على البناء الداخلي لهذا الكتاب، يقتضي الأمر أن نقرب معنى المنهاج النبوي من خلال تعريفين للإمام نفسه، حيث يستشعر أن الكثيرين لا ينتبهون إلى القيمة العلمية والعملية للمنهاج كما اجتهد في صياغته، رحمه الله.
التعريف الأول: "المنهاج النبوي هو ذاك الصراط الذي تضع فيه قدميك على قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم. هو الصراط المستقيم الذي يلحقك بالذين أنعم الله عليهم، وقص عليك في كتابه نعمته عليهم، وتفضيله إياهم، ونصره دعوتهم. ثم حسن لك رفقتهم" [6].
التعريف الثاني: "هو السنة التطبيقية العملية النموذجية، التاريخيةُ بعدُ البشرية المتجددة في الزمان والمكان باجتهاد أجيال الإيمان" [7].
فما هو هذا المنهاج؟
يشكل صلب الكتاب عرض شعب الإيمان بحسب كل خصلة، وهو عمل اجتهادي علمي، حيث تأسس على عمل علمي آخر هام يتمثل في كتاب "شعب الإيمان"، الذي لم يطبع لحد الآن، وهو عبارة عن جمع لأحاديث صحيحة وجامعة لمعنى الشعبة حيث مجموعة شعب مرتبة ومنسقة هي ما يكون المضمون العلمي والعملي للخصلة التي تندرج تحتها هذه الشعب[8].
ويعتبر مؤلف "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" عرضا لهذه الخصال العشر بمضمونها الإيماني مع استدعاء ما تقتضيه ضرورة العرض من دلالاتها الإحسانية التي سيتكفل بها في مرحلة أخرى من مراحل بناء جماعة العدل والإحسان وترسيخ مشروعها التجديدي كتابُ "الإحسان" بجزئيه الصادر عام 1998.
وقد كان هذا المستوى من العرض يناسب المرحلة حيث ضرورة بناء الجماعة وتثبيت قواعدها التنظيمية والهيكلية على قواعد واضحة وجامعة، وهو ما دفع الإمام إلى التقديم لمشروع عرض الخصال العشر بأربعة فصول في عموميات التربية والتنظيم قدم لها بتمهيد[9].
فالخصال العشر هي: الصحبة والجماعة، الذكر، الصدق، البذل، العلم، العمل، السمت الحسن، التؤدة، الاقتصاد، الجهاد[10]. وهو ترتيب غير عفوي بل مقصود، لأن حركة المنهاج النبوي، المتجسدة في حركة الجماعة، حركة متصاعدة على خطوات الخصال العشر، "فحصول الإنسان في مرحمة الجماعة، باكتشافه أخوتها الدافئة الرفيقة الباذلة الحنون، يحصل الخصلة الأولى: الصحبة والجماعة، ثم يترقى من خصلة إلى خصلة حتى يحصل الخصلة العاشرة وهي: الجهاد. وبذلك تكون تربيته تمت، وعضويته في تنظيم جند الله استوثقت. وبتحصيل جند الله جماعة لفضائل شعب الإيمان يكون التنظيم قد استوفى خصائص حزب الله المنصورين الغالبين.
"إن شعب الإيمان، كما يدل على ذلك المعنى اللغوي لشعب، روافد يتألف منها نهر الإيمان. فإن تصورناها خيوطا إيمانية تربط العبد بربه فهي تكون، إن فتلت وأتقن تأليف رجالها حتى أصبح خلقهم القرآن، حبل الله المتين الممتد من السماء رحمة إلى الأرض، حيث تظهر عملا حكيما وجهادا مجددا. وعندئذ فالتمسك بجماعة المسلمين في الأرض استمساك بالعروة الوثقى" [11].

6. المنهاج النبوي ومشروع التفصيل

من المعلوم أن "رسالة الإسلام أو الطوفان" عرضت الخصال العشر وهي الخصال التي عرضت في كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" ، وهي الخصال العشر المعروضة في فصول كتاب "الإحسان" في جزئيه، إذ كل فصل من فصوله إنما هو خصلة من هذه الخصال[12]، وهي الخصال التي أوصى بها، رحمه الله، في وصيته الأخيرة.
وقد عُرف عن الإمام عبد السلام ياسين، رحمه الله، أن جهده في التبليغ والبيان منصب بصرامة منهاجية على عرض وتوضيح المنهاج النبوي، سواء من حيث المعنى أو من حيث المبنى، ولذلك فكل مؤلفاته إنما هي تفصيل بحسب ما تقتضيه الحكمة لخصلة من الخصال أو شعبة من الشعب بحيث يستدعي عند هذا التفصيل ما ينبغي استدعاؤه من الشعب أو الخصال من موقع علاقة هذه بموضوع البيان مؤلفا أو شريطا سمعيا أو مرئيا.
فكل المؤلفات عند الإمام لا بد للباحث أن يكتشف تحت أية خصلة تندرج وما هي الخصال والشعب التي تستدعى معالجتها في هذا المؤلف أو ذاك، إذ الخصال العشر معروضة في كتابين أساسيين، كما سبقت الإشارة؛ هما كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" ، وكتاب "الإحسان" بجزئيه، في حين باقي المؤلفات إنما هي معاجلة تفصيلية لموضوع من مواضيع الخصال وشعبها بانضباط وصرامة منهاجيين نادرين.
وبهذا فعلاقة كتاب "المنهاج النبوي" بباقي المؤلفات والوسائط السمعية والبصرية، في إطار عرض مشروع العدل والإحسان ورعاية مسيرة بناء جماعة العدل والإحسان بالمعنى النبوي الشامل، تتشكل على الشكل التالي:
فمع كتاب "الإحسان" حصلت إعادة عرض الخصال العشر بمضمون إحساني من خلال منهجية بيان المضمون الإحساني العلمي والعملي للخصلة عبر فقرات، ثم يختم هذا العرض للخصلة، التي هي عنوان الفصل، بتلخيص لشعب الإيمان المندرجة تحتها.
أما مع باقي المؤلفات فمحكومة بعلاقة التفصيل والبيان بحسب الموضوع الذي تكفل المؤلف بالتفصيل فيه.
وعلى سبيل المثال كتاب "العدل.. الإسلاميون والحكم" ، فهو كتاب ضخم اهتم ببحث حركة الخصال العشر وتفاصيل هذه الحركة، التي هي حركة المنهاج النبوي، لتدبير مراحل الزحف نحو بناء نظام حكم عادل، سواء من جهة مرحلة المعارضة أو مرحلة الدولة أو مرحلة إعادة بناء النظام العالمي على قواعد العدل والحرية والكرامة.
وبهذا نفهم التمايز بين التعريفين السابقين للمنهاج النبوي، ففي الوقت الذي اتجه التعريف الأول، الموجود في كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" ، إلى ذمة المؤمن في إطار بناء الجماعة القائمة لحمل مشروع التغيير، اتجه التعريف الثاني الموجود في كتاب "العدل الإسلاميون والحكم" ، إلى بيان تفاصيل المشروع ووسائله لإقامة العدل محليا وعالميا.
وبهذا الضابط تقرأ كل مؤلفات الإمام إذ بوصلتها نظام الخصال العشر كما رتبها إيمانيا كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" ، وفصلها إحسانيا كتاب "الإحسان" ، ولخصتها رسالة تذكير ووصية الوداع.

7. خاتمة

"المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" مؤلف ممتد المعنى في الزمن، لأنه عملية اجتهادية كبرى أسست لحركة مشروع يعني الفرد والأمة والإنسانية.
فهو اجتهاد في عرض السيرة النبوية على صورة متكاملة ووفق نسق بنائي لسبعة وسبعين شعبة مقسمة على خصال عشر حيث كل خصلة تشكل خطوة في اكتساب العلم وإنجاز العمل في أفق غاية إحسانية تعني مصير الفرد عند الله تعالى وتعني مصير الأمة التاريخي الإنساني، حيث فَتل نظامُ الخصال العشر بين المصيرين حتى لا ينفك الواحد منهما عن الآخر علما وعملا.
والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

الهوامش
1]ينظر رسالة الإمام التي اقترح فيها هذا الاسم والشعار الموجودة على الرابط التالي:http://www.yassine.net/ar/document/1937.shtml[2]من المعلوم أنه قبل عرض المنهاج النبوي قام الإمام، رحمه الله، بمبادرة وبصحبته ثلة من الرجال بينهم الأساتذة أحمد الملاخ وابراهيم الشرقاوي ومحمد بشيري ومحمد عبادي، حيث التقوا بقيادات إسلامية وعرضوا عليها فكرة توحيد الحركة الإسلامية على منهاج واضح، لكن لم تلق المبادرة تجاوبا من طرف هذه القيادات.[3]افتتح الإمام رسالة اقتراحه "العدل والإحسان" اسما وشعارا بما يلي: عندما صدر العدد الأول من مجلة "الجماعة" قرأ الناس فيه نداء طويلا ملتاعا إلى توحيد العمل الإسلامي في المغرب. تلا ذلك وسبقه سنوات حاولنا فيها اللقاء والتقارب والتعاون على جمع الشتات. وعندما وضعنا "المنهاج النبوي" كانت الجماعة القطرية محور تفكيرنا، وكان التفكير لها مساهمتنا في الجمع المرجو. فلما لم يأت ما كنا ننتظر توكلنا على الله راجين أن لا يكون تأسيسنا لعمل جديد إلا لبنة في صرح الوحدة.[4]يراجع في الباب موقع الإمام عبد السلام ياسين،http://www.yassine.net/، حيث تعرض جل مؤلفاته، ومن ضمنه تطبيق سراج الإلكتروني المحتوي على أغلب هذه المؤلفات.[5]"المنهاج النبوي، تربية وتنظيما وزحفا"، ص: 3، الطبعة الثانية، 1989.[6]المنهاج النبوي، ص: 460-461.[7]العدل، ص: 27.[8]قال، رحمه الله، في المنهاج النبوي، ص: 40-41: "قسمنا السبع والسبعين شعبة عشر فئات سميناها الخصال العشر، وجمعناها في كتاب يضم أكثر من ألفي حديث نبوي يسر الله تحقيقه وطبعه. ونبسط هنا إن شاء الله محصول تدبرنا لشعب الإيمان، نجعلها صلب المنهاج النبوي ودليله. تتدرج الخصال العشر من الخطاب القرآني للإنسان وندبه إياه لاقتحام العقبة والكينونة من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة".[9]تمهيد: هو عبارة عن مقدمات كشف من خلالها معنى المنهاج النبوي وأهدافه وغايته ورجاله ومهمتهم العملية.[10]يراجع في الباب كتيب صغير الحجم لكنه بالغ الأهمية حيث يقدم تلخيصا مناسبا للمضمون الإيماني لعرض الخصال في كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، وهو "رسالة تذكير" حيث لخص فيه الخصال العشر تلخيصا مركزا يروم به تقريب الفهم وبيان الطريق.[11]المنهاج النبوي، ص: 41.[12]يعتبر كتاب "الإحسان" عملا ضخما ومحوريا في عرض المنهاج النبوي، إذ لما اقتضت الضرورة البنائية عرضا إيمانيا للخصال العشر في كتاب "المنهاج النبوي" فإن كتاب "ألإحسان" تكفل بعرض المضمون الإحساني لهذه الخصال كما يقدم علم المنهاج النبوي معنى الإحسان.
أكمل القراءة »
أولا: العدل في اللغة: 
1- في اللغة: 
العَدْل: ما قام فـي النفوس أَنه مُسْتقـيم، وهو ضِدُّ الـجَوْر. عدَل الـحاكِمُ فـي الـحكم يَعْدِلُ عَدْلاً وهو عادِلٌ من قوم عَدُولٍ وعَدْلٍ... وعَدَل علـيه فـي القضيَّة، فهو عادِلٌ، وبَسَطَ الوالـي عَدْلَه ومَعْدِلَته. وفـي أَسمائه سبحانه: العَدْل، وهو الذي لا يَمِيلُ به الهوى فـيَجورَ فـي الـحكم. 
والعَدْلُ: الـحُكْم بالـحق، يقال: هو يَقْضي بالـحق ويَعْدِلُ. وهو حَكَمٌ عادِلٌ: ذو مَعْدَلة فـي حكمه. والعَدْلُ من الناس: الـمَرْضِيُّ قولُه وحُكْمُه. (الصحاح ولسان العرب).
فالعدل في اللغة يدور على معنى الوقوف مع الحق والقيام به حكما دون الميل مع الهوى.
2- مرادفات العدل في اللغة: 
والميزان: العدل: (الصحاح).
القِسْطُ: العدل (الصحاح). 
فـي أَسماء الله تعالـى الـحسنى الـمُقْسِط: هو العادِلُ (لسان العرب).
العَدْل: الاستقامة. (لسان العرب). 
ويقال كان الرجل عادلاً في الأمر: استقام فيه.
القَصْدُ بين الإسراف والتقتير، يقال: فلان مُقْتِصدٌ في النفقة. 
واقْصِدْ في مشيك،... والقَصْدُ: العدل. (الصحاح).
والـحِكْمَةُ: العدل: ورجل حَكِيمٌ: عدل حكيم. 
وأَحْكَمَ الأَمر: أَتقنه. 
والـحكيم: الـمتقن للأُمور. (لسان العرب). 
ثانيا: مفهوم العدل في مشروع العدل والإحسان
1- علاقة العدل بالإحسان: 
سبقت معنا الألفاظ التالية كمرادفات للعدل:
الاستقامة - القصد - الحكمة - الإتقان - القسط الميزان.
ومن أضداد العدل: الجور والظلم، وأصل الظُّلْمِ: وضع الشيء في غير موضعه (الصحاح).
فإذن العدل وضع الشيء في موضعه الذي وضع له. 
ومن معاني الإحسان، الإتقان، و الظلم لغة وضع الشيء في غير موضعه. فيكون العدل والقسط إرجاع الأوضاع الظلمية إلى مكانها ومسارها الشرعيين .
فليكون العدل على أحسن صوره وجب أن يكون الإحسان على أجمل صور الإتقان. 
وهكذا فالعدل جوهر الإحسان والإحسان جمال العدل.
2- مجالات الإحسان الكلية: 
فقد عرف رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
والإحسان هو الموقف الأعظم للفطرة. ولذلك هناك مجالان كليان للإحسان:
أ- مجال الفرد: 
الإحسان هو الاستقامة على الفطرة التي فطره الله تعالى عليها، فيكون مستقيما وقاصدا وحكيما. 
ب- مجال الإنسانية: 
أن يكون كون الله تعالى على الفطرة التي فطرها عليه من العدل والحكمة والاستقامة، فلا ظلم ولا فساد وتحريف ولا تزوير، وبذلك تكون الأمور كلها قد وضعت في موضعها المفطورة عليه. وهذا مطلب عدلي إحساني لأجله تتحرك الدعوة مغالبة للواقع الفاسد كونيا وعالميا وفق تصور دقيق للعلاقات الدولية ونظامها وأسسها ومقاصدها.
3- معنى العدل في مشروع العدل والإحسان: 
أ- العدل باعتباره المقصد الجامع
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: العدل أم المصالح التي يقصد إليها الشرع. هو صُلب الدين، وحوله تُطيفُ همومُ المسلمين، وبه بعث الله الرسل والنبيئين، مبشرين ومنذرين. قال الله تبارك وتعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد: الآية 25]، القسط العدل بمعناه الشامل: العدل الاستقامة في حقوق الله وفي حقوق العباد. فرضٌ أكيدٌ به بعث الله الرسل يدعـون إليه. وأنزلَ معهم الكتاب والبينات". 
ب- العدل باعتباره هدف أولي
وعدل الحاكم في القسمة هدفه الأول، وأمرُه اليومي، وواجبـه الدائم. قال الله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. يعظكم لعلكم تذّكرون". والبغي في القسمة من أعظم البغي.
ت- العدل باعتبار علاقته بالحكم
عدل الحاكم في أحكامه عمادُ السلطان الشوريِّ وشرطُه. قال الله تعالى: "إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".
ج- العدل باعتبار أهدافه
 العدل والقسط بهما الاستقرار، وبهما أمن القومة، وعليهما مدار حياتها ، والعدل أساس الأمن والاستقرار.
 العدل المنشود من الإسلاميين يوم يتسلمون مقاليد السلطـان هو عدل يستقر به المجتمع، وتتضافر به الجهود، وتتوحد عليه الأهـداف، وتسخر له الوسائل... والإنفاق والبِر فمشروط مربوط بتوفير الوسائل. لا بِرَّ، وهو التوسع في فعل الخير، إن لم يكن الحد الأدنى من الخير موفورا. هذا الحد الأدنى هو العدل وهو التنمية. لا يُنفِق المُعْدمُ ولا المضيق عليه ولا المسلوب من حقوقه. إنما النفقة والبِر من وُجْدٍ لا من فَقْدٍ. وهدف التنمية نلتقي عليه مع طوائف الأحزاب السياسية التي حول التنمية تُزْجِي الوُعودَ للشعب . 
فمطلب العدل من حيث هو تنمية: هدف مشترك وأرضية جامعة مع الغير.
د- العدل باعتبار الوسيلة
1- العدل وسيلة
لا معنى للعدل الدنيوي إلا من كونه تيسيراً للمسافر يصون مسيرته إلى الدار الآخـرة أن يفتنه عنها هم الرزق وظلـم الناس.  
2- وسيلة العدل 
* الوسيلة العلمية: "والطريق الموصل من المدار الذي تدور فيه الأمور زمان الظلم إلى المدار الإسلامي يرسمه أيضا المنهاج النبوي والنموذج المصطفوي".
* الوسيلة البشرية: "القوة المحركة الضرورية لإزاحة الأثقال والأوزار الجورية، وتنشيط الدورة التجديدية، يعلمها المنهاج النبوي، وهي القوة المشخصة في جماعة جند الله، أهل الله، أهل القرآن، الشهداء لله بالقسط". 
ر- العدل باعتبار مجاله
1- مجال الإنسانية والكون
العدل أم المصالح التي يقصد إليها الشرع. هو صُلب الدين، وحوله تُطيفُ همومُ المسلمين، وبه بعث الله الرسل والنبيئين، مبشرين ومنذرين. قال الله تبارك وتعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ).
2- مجال القضاء والحكم
هما عدلان مترابطان متلازمان. عدل القاضي والحاكم، يطبقان شرع الله عز وجل في إعطاء حقوق العباد وإنصاف بعضهم من بعض، وعدل القسمة الاقتصادية الاجتماعية. والظلم في الحكم والجور في القسمة عديلان لا يفترقان". "ولوضع الكلمات القرآنية في أوضاعها اللغوية نخصص كلمة "عدل" للحكم والقضاء، وكلمة "قسط" للإنصاف في القسمة، لكيلا يختلط حديثنا عن العدل الحكمي والعدل الاجتماعي الاقتصادي.....
كلا الكلمتين تدل على التسوية بين طرفين. لكن نخصص لنلح على أن القسمة العادلة للمال والأرزاق مطلب شرعي لا يقل أهمية عن مطلب العدل الحكمي والقضائي. وما وظيفة الحاكم أول شيء إلا السهر على أن لا يأكل القوي الضعيف ليحصل الأمن الداخلي. ولا يتقاضى الناس غالبا إلى القاضي إلا لقسمة أسيئت أو نزاع راجع لسوء قسمة.
إن إقامة العدل والقسط ركن ركين في صرح الدولة الإسلامية، وعلى إقامتهما مدار صلاح الحكم، والاقتصاد، والشورى، والإدارة، والأمر كله. فإن مجتمعا تكون مقاليد الثروة فيه في يد طائفة من الناس لن يلبث أن تعكس قوانينه مصالح هذه الطائفة وأن يستولوا بواسطة قوانين الجور، أو تحريف الكلم عن مواضعه، على السلطان. فإذا كان السلطان والمال، ومن شأنهما أن يتآلفا، مجتمعين في يد طبقة فإن أجهزة الدولة ومحاكمها تدين لقانون الغالب".
فباختلال القسط في الاقتصاد والاجتماع يختل العدل في الحكم والقضاء. وهو مصدر الفساد والإفساد في كل المجالات. 

بقلم الكاتب و الباحث مبارك الموساوي
أكمل القراءة »
حوار ذ. مبارك الموساوي مع جريدة:
 
1- المفكر المغربي مبارك الموساوي ومعتقل رأي سابق ليتعرف عليك القارئ أولا وماذا استفدت من تجربة السجن؟

مبارك الموساوي من مواليد 1967، نواحي مدينة مراكش (الرحامنة الجنونية)، باحث في الفكر الإسلامي، خاصة فكر المرشد عبد السلام ياسين، رحمه الله.
أما ما استفدته من فترة الاعتقال فكثير، والحمد لله، ومنه أن الظلم في جوهره نمر من ورق، وأن العيش  من أجل مبادئ سامية حياة حقيقية.

 2-من بين كتبكهم "الحركة الطلابية الإسلامية، التاريخ والمصير"، كيف تنظرون للحركة الطلابية المغربية في الوقت الحاضر؟

مادامت الحركة الطلابية مخلصة في تبنيها لقضايا الطلاب وخادمة لقضية أمتها في الوجود فهي بخير، وعليها أن لا تسقط في فخ المعنى الجمعوي في حركتها ونضالها؛ فهي قوة في قلب المجتمع، ولذلك فخيارها الوحيد، لتكون حركة طلابية، أن تحافظ على خط النضال المجتمعي الشامل الذي لا يقبل إلا إنجاز واقع الحرية والكرامة والعدل الذي يضمن الممارسة الحقيقية للعمل النقابي والتحصيل العلمي الجيد في إطار من التضامن والتعاون بين كل فئات الأمة وطاقاتها خدمة لمستقبلها.
فعلى الحركة الطلابية مسؤولية عظمى في الحفاظ على صفاء ووضوح قضية أمتها في اللحظات التاريخية الصعبة مثل التي تمر بها الإنسانية اليوم .

 3-كيف للحركة الطلابية الإسلامية أن تعمل وسط واقع جامعي مميع وعزوف شبابي عن السياسة و العمل الجماعي؟

لاشك أن هناك جهات متعددة يناسبها صناعة واقع التمييع والمسخ في الساحة الجامعية، خاصة مع ضمور مستوى البحث العلمي وضعف نتائجه، وهذا أمر موجود وثابت وملازم للحياة الجامعية، مما يعني أنه معطى واقعي ينبغي التعامل معه بكل رفق ورحمة وحكمة على أساس أنه نتيجة، لذلك فالحركة الطلابية بتجاوزها خوض المعارك الهامشية، ينبغي أن تخوض معركة بناء الوعي الحقيقي لدى الطلاب وأن تدرك أن التدافع الحقيقي مع مصادر المسخ والتمييع، وهو ما يعني أن معركتها معركة استراتيجية مصيرية على خطوط متعددة ومجالات وواجهات مختلفة ترجع كلها إلى قضية القيم السامية التي ينبغي أن تؤطر كل فعل في الميادين.
وما يراه الناس عزوفا عند الشباب ليس كذلك بل هو موقف واعي، وهو ما أكدته مناسبات الحراك المجتمعي في الثورات العربية حيث ظهر على الساحة شباب كان يعتقد الكثير أنهم غرقى موتى في بحر الشبكة العنكبوتية في حين هم قوة صامتة تنتظر الفرصة التاريخية لتقوم بالواجب عليها حيث كان منها العدد الهائل من الشهداء والمعتقلين والمصابين والمفقودين، ولذلك فعلى حركات التغيير والإصلاح أن تصنع هذه الفرصة لتستثمر هذه القوة الصامتة الواعي التي فقدت الثقة تماما من السائد اليوم ومن كثرة الكلام بلا عمل.

4-كيف تنظرون إلى الميثاق بين الإسلاميين والعلمانيين والتوافق الممكن؟

هناك فرق كبير بين فكرة الميثاق وفكرة التوافق. فما اسميه بحركة الميثاق هي حركة تاريخية لها مراحل ومقاصد وغاية، في حين غالبا ما يكون التوافق لحظة سياسية لتدبير مرحلة محددة لا تأخذ أي معنى إيجابي إلا إذا كانت خادمة لعملية التحول التاريخي الذي يرعاها ميثاق جامع، ولذلك غالبا ما تنهار التوافقات حينما تفاجأ بما لم يكن في الحساب السياسي خارج المعنى الميثاقي في ترتيب المواقف ومسالك العمل.
من هنا يكون الميثاق المبني على وضوح وعلى مرأى ومسمع من الشعب هو الضامن للحفاظ على وضوح العملية السياسية ومسارها بما هي لبنة في إنجاز التحول التاريخي المطلوب.
فالميثاق عملية مجتمعية كلية ذات عمق استراتيجي مصيري لا تقبل أي درجة من الغموض الذي لا ينفصل عن الخوف، وهذا يعني أن الحراك ابتداء يجب أن ينصب على توفير شروط الحرية والاختيار الحر حتى تسطيع حركة المجتمع، بقيادة واضحة وصادقة ومبرهنة عن ذلك، أن تحاصر كل مصادر الفساد والاستبداد وفي نفس الوقت تشيع معاني البذل والعطاء والتضامن والتضحية الجماعية من أجل مستقبل تكون فيه العناصر السلبية على الهامش ومحاصرة بالوعي واليقظة العامين لا العكس كما نشاهد اليوم حيث تحتل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والمالية وغيرها جامعة بين احتكار مصادر الثروة ومصادر السلطة.
لقد أثبتت الأحداث في دول ما سمي بالربيع العربي أن الدخول على المراحل الصعبة من تاريخ الشعوب ينبغي أن يكون على وضوح وميثاق لا على غموض وإن كان معه حسن النوايا.

 5- الربيع الشعبي هل نحن على الطريق نحو الديموقراطية؟

سأكون واضحا حينما أقول لك إنه لا مستقبل لما يسمى بالربيع العربي إلا إذا أخذ المعنى الإسلامي، وهو ما أتبثه الأحداث المعيشة اليوم، إذ بغير هذا الوضوح ستدخل البلدان العربية في واقع فتنوي عميق الأثر حيث هناك إصرار أن لا يمارس الإسلاميون الحكم بحرية واستقلالية إلا خداما لأنظمة أكل عليها الدهر وشرب أو مستسلمين للمشروع الصهيوني الصليبي الاستعماري التوسعي، وهو مايعني تصعيد حالة التوتر إلى أقصاها، خاصة لما تكشف وقائع، كما في مصر، أن أناسا يضربون مبادئهم بعرض الحائط ويتحالفون مع العسكر لإقصاء اختيار الشعب في الحكم، وبذلك نفرض حكم المؤبد من خلال تحالف السلطة والثروة والمصالح الشخصية على إرادة الأمة، إنها ضربة قاصمة في صميم الحرية.
ولذلك نحن أمام معضلة فكرية وسياسية حقيقية أن تقبل نخبة حكم العسكر ودستور الكواليس بديلا عن إرادة شعب له تاريخ عميق وحضارة أعمق.
لكن ما يثبته التاريخ أن إرادة الشعوب لا تقهر وأن لحظة الشدائد جامعة وأن مؤشرات الوعي الحقيقي لدى هذه الشعوب بلغت ما يحميها من الانهيارات الساحقة ويجعلها قادرة على تهميش العناصر السلبية في المجتمعات ومؤسساتها.

 6- الشورى الديمقراطية أية تقاطعات باعتباركم مفكرا إسلاميا؟

من عوامل ما نعيشه اليوم من مأساة في الفكر والممارسة هذا الخلط الفظيع بين المفاهيم والسياقات، مما ترتب عليه غموض شديد في كثير من مستويات التواصل والإبداع، ولذلك يجب التمييز بين ما يمكن أن يكون مشتركا في الإنتاج البشري عبر التاريخ، وبين المرجعيات.
ليس هناك تقاطعات بين المفهومين إلا ما هو تقني، وهذا قد تسمح ظروف هذه الأمة أو تلك باكتشافه خلاف أخرى، لأن لكل مفهوم سياقه وحمولته المرجعية. فمن العبث أن يقوم الإسلاميون، مثلا، ويدعون الغرب إلى تبني مفهوم الشورى، لأن السياق الغربي في تدبير العلاقات بين الحاكم والمحكومين وبين المحكومين فيما بينهم أشخاصا ومؤسسات اكتشف الديمقراطية، في حين أن التجربة الإسلامية في بناء سياقها الخاص كانت الشورى. فعلى هذا المستوى لا تقاطعات، أما في مستوى النجاعة في تدبير أنظمة الحكم والعلاقات وكل أشكال التواصل فقد يكون هناك ما يجتمع فيه المفهومان، لكن لايعني هذا أن الواحد يكون بديلا عن الآخر في سياقه الخاص به.
فالشورى مثلا إذا جردتها من سياق حركة مشروع العدل والإحسان كما عاشه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده زمن الخلافة الراشدة لا معنى له، وسمه ماشئت إلا الشورى، لا شورى مع ملك عاض أو جبري، ونفس الأمر بالنسبة للديمقراطية، لكن إذا عنيت بالديمقراطية الاختيار الحر للشعب وتنظيم العلاقة بين السلط فهذا من صميم الشورى ويجب أن نستفيد من الموروث البشري في هذا كما استفادت البشرية وعلى رأسها الغرب من موروثنا، وإلا كنا عميانا. فالحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها أخذ بها بمعيار الإيمان لا بمعيار آخر.

 7-ما تأثير وصول العدالة والتنمية على شعبية العدل والإحسان بسبب بداية فقدان الثقة في هذا الحزب؟

من أهداف ما أسميه بعملية الالتفاف الثانية على إرادة الشعب المغربي -إذ كانت الأولى لما التف النظام وحلفاؤه على رصيد الحركة الوطنية ومشروعها التحرري وتم تكريس واقع الاستبداد المطلق والفساد المطلق الذي نجني جميعا حصاده السلبي اليوم- أن يُضرب المشروع الإسلامي في الصميم حيث يزج به في تدبير مرحلة دقيقة؛ سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وحتى في إطار العلاقات الدولية، وتحتاج إلى تمرير قرارات واختيارات لن يمررها إلا من لا نرغب في وجوده في المستقبل إلا جزء هامشيا في العملية السياسية.
لذلك لايهمني الحديث عن فقدان الثقة من عدمه لأن هذه عملية سياسية جزئية لايعنيني فيها الرابح من الخاسر إلا من جهة علاقتها بتكريس واقع الاستبداد من عدمه. إلا أن كل المعطيات تؤكد أن عملية الالتفاف الأولى أقصت المشروع الإسلامي تماما من الساحة، في حين تعمل الثانية على احتوائه وتدجينه وجعله رقما من الأرقام ولونا من الألوان بعد ظهورة بقوة على الساحة، لذلك كثيرا ما يخطئ المحللون حينما يربطون بين حركة حزب العدالة والتنمية وحركة المشروع الإسلامي.
ومن هنا أقول، كباحث، أنه لاعلاقة البته ببين حركة مشروع العدل والإحسان في المجتمع المغربي اليوم وبين العملية السياسية التي ينجزها الإخوان في حزب العدالة والتنمية، ذلك أن حركة مشروع العدل والإحسان تنجز سياقها المتميز في الحياة المجتمعية والسياسية وتؤسس لظروف الميثاق وبناء القوة المجتمعية المؤهلة لخوض معركة التغيير والإصلاح الحقيقيين.

 8-صراحة أن المتابع للعدل والإحسان يدرك غياب خبرة في تسيير الشأن العام، هل الجماعة وجدت لتعارض؟

في رأيي جماعة العدل والإحسان لم توجد لا لتدبير الشأن العام بالمعنى السياسي السائد، لأن الخبرة في الباب لاشك أنها تكتسب وأن الشعب المغربي يزخر بالفضلاء النزهاء الخبراء في الأحزاب والجمعيات، ولم توجد لتعارض إلى الأبد كذلك.
نعم الفكر السياسي السائد هذا مبلغه في التصنيف السياسي والمجتمعي، لكن مشروع العدل والإحسان من خلال جماعة العدل والإحسان يوفر فقها سياسيا مبنيا على تفكير سياسي تجديدي مبني على معنى تجديدي في بناء الإنسان والمجتمع والدولة وحتى نظام العلاقات الدولية، لذلك فرجال ونساء العدل والإحسان واعون جيدا بمهامهم المرحلية كما هم عالمون بالمضمون السياسي الذي ينبغي أن يملأ كل مرحلة من مراحل التغيير والإصلاح.
العدل والإحسان ليست حزبا سياسيا، ولن تتحول إلى حزب سياسي، وحتى ذراعها السياسي؛ الدائرة السياسية؛ لن تتحول إلى حزب سياسي، وإذا توفرت الظروف التي تضمن عملية سياسية حرة ونزيهة، ولهذه المرحلة تعمل العدل والإحسان اليوم، أي توفير ظروف وشروط الاختيار الحر للشعب المغربي، إذا توفرت هذه الظروف قد تنشئ الجماعة من خلال عمل الدائرة السياسية حزبا أو تنظر فيما هو ممكن ومفيد ومناسب في تلك اللحظة انسجاما مع تصورها للعمل السياسي.
فلن تنتقل القيادة التاريخية أبدا ولا القيادة الدعوية على الإطلاق إلى ممارسة التدبير اليومي للعمل السياسي، لأن الشعب المغربي عامر بالفضلاء النزهاء الخبراء الذي سيتصدون لهذا الأمر حيث الأمة كما هي في حاجة مصيرية لمن يدبر أمرها اليومي في الشأن العام فهي كذلك في ضرورة مصيرية لوجود من يرعى قضية وجودها ويحرص على بناء قواعد ذلك في قلب المجتمع ومؤسساته ولن يكون هؤلاء إلى العلماء والمفكرون والباحثون الذي يتفرغون للمستقبل وقضاياه كما هو متفرغ المدبر اليومي للشأن اليومي على تناغم وتكامل ووضوح.
إننا بهذا أمام عرض متجدد يحتاج إلى فهم دقيق للفعل السياسي الذي تنجزه جماعة العدل والإحسان على قواعد الرفق والحلم والتؤدة.
أكمل القراءة »